البند 4 من برنامج اضاءات على وثيقة مكة موقف الإسلام من التنوع الديني شرح السيد محمد علي الحسيني

أيها الأحبة لنسلط الضوء على البند الرابع منْ وثيقة مكة المكرمة

جاء فيه أن التنوع الديني والثقافي في المجتمعات الإنسانية  لا يبرر الصراع والصدامْ  بل يستدعي إقامة شراکة حضارية "إيجابية" وتواصلا فاعلا يجعل من التنوع جسرا للحوار والتفاهم والتعاون لمصلحة الجميعْ ويحفّز على التنافس في خدمة الإنسان وإسعاده والبحث عن المشترکات الجامعةْ واستثمارها في بناء دولة المواطنة الشاملة المبنية على القيم والعدالة والحريات المشروعةْ وتبادل الاحترام ومحبة الخير للجميعْ

علينا أن ندرك أن للإسلام موقفه الواضح والشفاف من التنوع الديني والثقافي وما إليه  ولاشيء أوضح منْ كلام أرحم الرحمين عندما يقول (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا  ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكنْ ليبلوكمْ في ما آتاكم فاستبقوا الخيراتْ  إلى الله مرجعكمْ جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون)  إن هذه الآيات تؤكد أن التنوع والاختلاف منْ سنن الله في كونه بلْ لا يمكن لنا أن نتصورهذا الوجود بلون واحد  فالغاية من الخلق هو تنوع مشاربهم واختلاف ألسنتهم  وفي ذلك حكمة إلهية بالغة

كما أننا سنضرب مثالا ممّا جاء في السنة النبوية الشريفة يتفق مع السياق الذي نتصدى له؛ فعندما قدم الرسول صلى الله عليه وسلم في اجتماع عقد بمنزل "دمنة بنت الحارث" وهي يهوديةْ  تأسس العقد الاجتماعي الأولْ : دستور المدينة الذي يحدّد فيه كلّ العلاقات داخل المدينة وخارجها  وعلى ذلك فإن شعب المدينة يتكون من المهاجرين والأنصار ومن تبعهم ولحق بهم من أهل المدينة أو أهل الصحيفة  كما نصتْ عليه هذه الوثيقة  وهؤلاء منهم الوثنيون واليهودْ، وطالما ارتضى الجميع هذه الوثيقة فهي دستور ينظم روابطهم وعقد يقيم تحالفهم وتعاهدهم على بناء هذه الدولة الجديدة

وقد نصّتْ هذه الوثيقة على مجموعة مبادئ منها:

    المؤمنون والمسلمون من قريش وأهل يثرب ومن تبعهم ولحق بهم وجاهد معهم أمة واحدة من دون الناس   وأن اليهود أمة مع المؤمنين  لليهود دينهم وللمسلمين دينهم

والملفت للنظر في المراحل المختلفة من التاريخ العربي الإسلامي  أنه طوال مراحل تاريخ الدعوة والدولة أسهم غير المسلمين في حياة المجتمع الإسلامي وكان منْ نتائج ذلك  تكوين الحضارة الإسلامية  التي ازدهرتْ فيها العلوم والفنون والآداب  وكانتْ في جملتها خلاصة لعبقريات الشعوب التي انضمتْ تحت حكم الإسلام  وعملتْ على الرقيّ بالمجتمع  سواء اقتنعتْ به وآمنتْ أم ظلّتْ على عقيدتها الأصليةْ

البند 4 من برنامج اضاءات على وثيقة مكة موقف الإسلام من التنوع الديني  شرح السيد محمد علي الحسيني